"الرؤية العالمية": عائلات تقودها نساء تتصدر مشهد العودة القسرية من إيران لأفغانستان
"الرؤية العالمية": عائلات تقودها نساء تتصدر مشهد العودة القسرية من إيران لأفغانستان
وثَّق مدير المناصرة والاتصالات في منظمة "الرؤية العالمية" في أفغانستان، مارك كالدر، مشاهد مأساوية لأفغان، بعضهم أُعيد قسرًا، وهم يعبرون الحدود الإيرانية إلى ولاية هرات.
ووفقاً لتقرير نشره الموقع الرسمي للمنظمة، اليوم الثلاثاء، تحرّك فريق المنظمة غربًا من مدينة هرات باتجاه معبر إسلام قلعة الحدودي وسط عاصفة غبارية كثيفة حجبت الرؤية.. على امتداد الطريق، ظهرت سيارة صغيرة محمّلة بممتلكات عائلة، تركت وراءها صراعًا في إيران متجهة إلى المجهول في الداخل الأفغاني، واصطفّ الأطفال لرعي الماعز وسط أرض قاحلة اتخذوها موطنًا مؤقتًا.
وعند أول نقطة تفتيش من عدة نقاط تؤدي إلى الحدود، تباطأت الحركة أمام طوابير من العائدين، تحرّك الناس جماعاتٍ وأفرادًا: شبابٌ مرتبكون، عائلاتٌ متعبة، نساءٌ يحملن أطفالًا، رجالٌ يجرّون المسنّين، وشاباتٌ ينظرن بتردد إلى الطريق أمامهن، حمل البعض ما تيسّر من أمتعة، فيما بدا آخرون بلا شيء سوى حقيبة صغيرة.
معاناة مضاعفة بعد العودة
أفاد المواطن عبد الواحد، وهو من بين أكثر من نصف مليون أفغاني عائد من إيران في 2025 بحسب الأمم المتحدة، قائلاً: "لا نملك شيئًا.. عدنا بلا مأوى أو مال، ولا نعرف ما العمل".
وألغت السلطات الإيرانية العام الماضي وثيقة "بارجة سارشومري" التي كانت تتيح لنحو مليوني أفغاني العمل والحصول على الخدمات، ثم بدأت موجات الترحيل التي بلغت ذروتها بـ10 آلاف شخص في يوم واحد، وعلى الرغم من التراجع المؤقت مع بداية القصف الإيراني مؤخرًا، ارتفعت الأعداد مجددًا إلى آلافٍ يوميًا.
وقال عبد الواحد إنهم كانوا يعملون عمال “مياومة”، لكن تم تجريدهم من أموالهم أثناء الرحلة، موضحا: "ذهبت لإيران لأعول عائلتي الكبيرة.. لم يكن لدينا عمل في أفغانستان".
تحوّل في تركيبة العائدين
شهدت موجات العودة تحوّلًا من العمال الذكور إلى عائلات، ونساء مع أطفال، بل وأطفال غير مصحوبين.
سردت نسيبة، وهي امرأة أنيقة رغم الرياح والغبار، معاناتها: "ذهبنا لإيران قبل 15 عامًا لعلاج طفلي، دفعنا أربعة أضعاف ما يدفعه الإيرانيون، وبعنا كل شيء، مات طفلي، وأُصيب زوجي بصدمة نفسية، وأصبح مدمنًا.. الآن طُلب منا المغادرة وعدنا بلا شيء".
وتشير التقارير إلى أن المساعدات لا تتجاوز 500 شخص يوميًا، في حين يفد الآلاف، يضطر الشباب أحيانًا للعمل القسري مقابل بطاقات SIM أو نقود بسيطة للانتقال.
وتعاني أفغانستان من بنية صحية وتعليمية متردية، تسبّب تراجع المساعدات الدولية بنسبة 40% في إغلاق 450 مركزًا صحيًا، وتعاني البلاد من جفاف وفيضانات وموجات حر أثّرت على الزراعة، في وقت يعيش فيه 3.5 مليون طفل تحت خطر سوء التغذية الحاد.
ضغط على الخدمات المحلية
تشير التقارير إلى أن عودة الأفغان الذين عاشوا لفترات طويلة في إيران، مثل نسيبة، ستضاعف الضغط على الخدمات الأساسية.
وقالت نسيبة: "أنا خياطة، لديّ مهارة، لكنني أفتقر للمعدات والمكان والمرافق.. نحتاج مأوى أولًا، ثم عملًا يعيلنا".
وأضافت ريحان، 11 عامًا: "عدنا طوعًا قبل انتهاء المهلة، رغم المعاناة، أعطاني أصدقائي أشياءً لا تُنسى، سأدخل الصف الخامس قريبًا، وأحلم بأن أصبح طبيبة".
تُختتم الرحلة بصور المغتربين العائدين وهم يلفّون وجوههم بالأوشحة، يسيرون نحو مستقبلٍ غامض وسط رياح غبارية كثيفة، يُخفي فيها الأمل بين طبقات الألم.